سوف إقليم متميز بخصائصه الجغرافية والبشرية ، ضمن الأقاليم الصحراوية،وقبل الغـوص في عرض تاريخ إقليم سوف، يجدر بنا أن نـُعَـرِّف بهذا الإقليم ونحدد مصطلح "وادي سـوف " أي التعرف على "الإيتيمـولوجي" (Etymologie) لهذه الكلمة. فمن خلال الأساطير القديمة و التي تقول : إن العهد الأول للمسيحية بالمنطقة قد واكب جريان نـهـر غزير ، يجتاز الإقليم من الشمال إلى الجنوب ، وهو سبب تسمية المنطقة بسوف وهو تحريف للكلمة الامازيغية أسوف أو أسِيف بتقبيليث التي تعني النهر .(1)
و يمكن مشاهدة بقيا ومسلك هذا النهر اليوم عن طريق الوسائل العلمية العصرية المتمثلة في صور الأقمار الإسطناعية للأرض بالأشعة.
وهناك قـول آخـر يشير إلى أن هناك فـرقة الملثمين البرابرة سميت بـ"مـسـوفـة" وهم قبائل صنهاجة الجنوب أو الطوارق ، فعند ابن خـلدون ما يفيد أنهم مـروا بهذه الأرض ، فلعلهم سكنوها زمنًا أو فعـلوا فيها شيئًا فسميت بهم .(2)
وتذكر كذلك بعض المصادر التاريخية بـأن سـوف كان لها الفضل في توحيد زناتة شمالا والطوارق جنوبا ، حيث أن "تيـكسـي" الملكة العرجاء ، أُمّ قبائل الجـيـتـو،لمّا مات زوجها،أعادت الزواج مع أحـد رجال زناتة فأنجبت السـوافـة ولعلها قبائل "ماسـوفا" التي عاشت في هذه المناطق ، فـأطـلـق اسـم سـوف على الإقليم.
تدل الشواهد التاريخية المتوفرة لدينا على وجود الحياة الغابرة بالمنطقة ، ذلك أن الحيوانات المحلية والنباتات الصحراوية كانت غزيرة ، حيث حفظت لنا الأرض البقايا الأثرية واللقى العظيمة ، وأظهرت بعض الاكتشافات معلومات هامة ، منها أنه في سنة 1957 م عثر على هيكل عظمي لفيل عظيم منقرض من نوع " الماموث " في حالة جـيّدة كان مدفونا شرق بلدة حاسي خليفة ، وهو الآن محفوظ في متحف بـاردو بالجزائر العاصمة ، كما عثر أيضًا على عـدة صـدف رخـوية ، ومحار بيض النعام بالعرق الشرقي الكبير، وقد عثر على بيضة كاملة للنعام على عمق ستّة أمتار في واحة هُـبّـة وهي معروضة بـمتحف الـوادي .كما أن المحطات الأثـرية لفترة ما قبل التاريخ منتشرة بكثرة في سـوف ،وتحتوي على الصـوان المنحوت من أدوات كثيرة ، بحيث يمكننا أن نلتقط في أي مكان السهام المنحوتة ، وبأحجام مختلفة و لعـهـود عـديـدة و التي تـشـهـد على التاريخ الحجـري بـسـوف ؛ ذلك أن العصر الحجري المصقول " النيو ليتيك " (Néolithique) و القـفـصـي الأعلى ممثل في سـوف (3) فالشفرات بوجهين ، والمكاشط و المجرفات و الخـرز و الفؤوس و السـهـام المسنّنة تتـواجـد في عـدّ ة أماكن ، فقد اكتشفت مـراكز عديدة في الأراضـي البكر التي لم تستغل في الميدان الزراعي والعمراني ، وتحتوي على بقايا و شظايا أثـرية تكتسي أهمية كبرى ؛ ويمكن تقسيم هذه البقايا إلى قسمين أساسيين هما :
أ) ـ العصر الحجري المصقول ومعالمه واضحة في الجنوب و العـرق .
ب) ـ العصر القـفـصـي و يغطي القسم الشمالي .
ذلك أن العصر الحجري الأخير و لفترة تمتـد على أكثر من سـتـّـمائة ألف سنة ،قد جعل من منطقة وادي سـوف حــاضرة لـعـهـد ما قبل التاريخ بحيث تدلّ الشـواهد الأثرية على ازدهارها و تطـورها.(4)
أمّا التاريخ القديم للمنطقة ،فمن خلال تحليلات كتابات هيرودوت و هـانون نـَتَـبـيَّـنُ على أن هذه الجـهات الصحـراوية قد سـكـنـها الليبيـون (التسمية القديمة للامازيغ) و الإثيوبيون ثمّ أمازيغ الجـيـتـوليون (الطوارق حاليا ) (5) وكانوا يـرعـون بـمـواشيهم بـحثـًا عن الكلاء والمـاء، ويـضـيـف إليهم بعض المـؤرخـيـن قبائل "زيــفـون " (ZIPHONES) و إفـوراس و مـاسـُـوفَـا، كذلك تـواجـد أمازيغ "الغرامانت"(GARAMANTE) الذين عـاشوا شمال شرق الصحـراء حتى الحـدود الـطـرابلـسـية، وأسـس ممـلكة غــرامـا. ويمتاز أمازيغ الغرامانت بالشـجـاعـة و الإقــدام والقـدرة القـتـاليـة الفائقة، فهو من الشـعـوب المـحـاربة، حيث خـاض عــدّة حـروب طاحنة من أجل بـسـط سـيـطرته على المنطقة التي مارس فيها الرّعي و الصيـد وبعض الفـلاحة ، لم يبق من أمازيغ الغرامنت اليوم إلاّ بعض الآثـار المتمثلة في أسماء بعض القـرى وهي أسماء امازيغية نجدها اليوم في مناطق مختلفة في شمال افريقيا منها: تـاغزوت وتيكسيبت و زقم وقمار ؛ أو بعض أسماء التمور، مثل تاكرمست ، تفازوين، تانـسـليت ، تافرزايت …الخ .
في العهد الروماني :
و بعد انتصـار الرومان على القرطاجيين ، والقـضـاء على قـرطاج عام 146 قبل الميلاد بـدأت سياسة التوسـع الروماني تظهر بالمنطقة ، فاكتفوا في المرحلة الأولى بتأسيس إقليم ولاية إفريقية (PROVINCIA - AFRICA) التي تضم تراب الدولة القرطاجية التي تقدر مساحتها بحوالي خمسة وعشرين ألف كيلو متر مربع ، وتمتد من طبرقة غربا إلى خليج قابس جنوبا ، و فصلوا هذا الإقليم عن المملكة النوميدية الامازيغية بخندق يعرف "فوسا ـ ريجييا" (FOSSA - REGIA ) وهو يأخذ شكل هلال مفتوح أكثر في نهايته ، مارا بالحدود الغربية للولاية (6).
و بعد حروب ضارية خاضها الرومان ضد سكان شمال افريقيا الامازيغية عرفت في التاريخ بالحروب الإفريقية (BELLUM - AFRICUM ) قضت على الملك الامازيغي يوبا الأول وألغت المملكة النوميدية ، و أعلنت عن قيام ولاية رومانية جديدة على أنقاضها سميت بإفريقيا الجديدة(AFRICA - NOVA ) أما المنطقة التي ورثها الرومان عن القرطاجيين فأصبحت تعرف بإفريقيا البروقنصلية نظرا للنظام المدني الخاص الذي وضعه المحتل لها عكس النظام العسكري السائد في باقي بلاد الامازيغ (7) .
وبذلك هدأت الأمور وانتشر السلم والأمن المعروف تاريخيا بـ"السلام الروماني" (PAX - ROMANA ) والذي عم العالم القديم تحت قيادة الإمبراطور أوغست ، لكن إقـلـيـم سوف قد خرج عن هذا السلام لأنها تقع على الحدود الجنوبية للنفوذ الروماني الممتد من جيميلا (GEMELLAE) جنوب أورال (MATORES) إلى نقــــريــــن و تهودة أو تابودوس (THABUDEOS) ثم توزوروس (TUSOROS) أي مدينة توزر الجميلة بالجريد ، وتوريس- طامالوني(TURRIS - TAMALLENI) وهي قبيلي. وبعد احتلال ماريوس(MARIUS) لقفصة ، حاول الرومان اكتشاف سوف والمناطق الجنوبية فقام الحاكم الروماني " كورنيلوس ـ بلبوس"
(CORNELLIUS - BALBUS)بغزوة علىغدامس (CYDAMES) خلال سنة 21 قبل الميلاد ، ونصب بها حامية مكثت بعض الوقت ، ثم توغل حتى واحات غراما (اصل التسمية أمازيغ الغرامنت ) .وبعد ذلك جاء كل من سبتيموس ـ فلاكوس (SEPTIMUS - FLACCUS) وجيليوس ماترنوس(JULIUS-MATERNUS) على رأس عدة طوابير لشن الحملات العسكرية ضد الغرامات استغرقت ما بين ثلاثة أو أربعة شهور احتل على إثرها غراما وضواحيها ، وقد خلدت هذه الحملات على منقوشات عثر عليها بغدامس تؤرخ ، تواجد هذه الحاميات بصفة دائمة لهذه الواحات خلال عهد الإسكندر الصارم
(8)
لذلك فإن الرومان قد جابوا أرجاء الجنوب الشرقي للجزائر في كل الاتجاهات واكتشفوا سوف وحلوا بها و سكنوا بالجردانية والبليدة( وهما قريتان تقعان شمال شـرق مدينة الـوادي ،ولم يبق منهما إلاّ بعض الأطلال ) بعدما قتلوا من فيها وأخرجوهم منها فتفرقوا في إفريقيا.ولم يكتف الرومان بذلك بل تعمقوا في أرض سوف وبنوا قرى أخرى من مختلف أرض سوف ويوجد أثار ذلك في " سندورس" (SENDROUS) التي تقع بجنوب شرق الوادي على بعد حوالي عشر كيلومتر والمعروفة " زملات ـ سندورس" وكذلك في قمار و الرقيبة وغرد الوصيف الذي يقع جنوب غرب الوادي على بعد أربعين كلم.
ومن الشواهد التي تبرهن على الآثار الرومانية بالمنطقة ، هي قطع النقود الرومانية و النوميدية الامازيغية التي عثر عليها بسوف وهي معروضة اليوم بمتحف الوادي ، منها قطعة في حالة جيّدة تزن ثلاثين غراما ، ضرب عليها صورة قيصر أوغست وتخلد السنة الثامنة عشر من تنصيبه على العرش ، كما عثر على نقود أخرى للعهد الجمهوري "نيرون" (NERON) ومعها نقود نوميدية لعهد الملك الامازيغي يوغرطة وكذلك عهد الملك يوبا الثاني .
رغم كل هذه القرون لازالت الامازيغية حاضرة في سوف في مرفولوجية سكانها وثقافتهم وعاداتهم وأسماء مدنهم وقراهم حتى إن تعرب لسان أغلبهم الى الدارج .
المراجع :
(1)- Ahmed NAJAH , Le Souf des Oasis ,ALGER, La maison des livres, 1971, p.32.
...........
(2)- عبد الرحمن بن خلدون،كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر،بيروت، دار الكتاب اللبناني للطباعة و النشر، 1959، ص:245.
..............
(3)-NAJAH , Le Souf des Oasis , p.27.
(4)-VOISIN, Le Souf , p.25.
(5)- Najah , op. cit. , p.27.
.....
(6)- محمد البشير الشنيتي ، سـياسة الرومنـة في بـلاد المـغـرب ، (146ق م ـ 40م)،الجزائر،1982،ص55.
(7)-الشنيتي، سياسة الرومنة ، المرجع السابق، ص:55
........
(8)- ESCARD (Médecin Major), » Etude sur le pays du Souf » , in Bulletin de l’ académie d’Hippone, (1888 - 1890), BONE, n° 24 -25 (1891), p.10 7
الطرود وعدوان وبنو هلال والربايع والأشراف والفرجان وغيرهم كلهم أمازيغ إذن؟ فلا ابن خلدون قال بهذا ولا تحاليل الحمض قالت بهذا ولا حتى اللهجة والعادات والتقاليد فهي أقرب لعرب الجزيرة من غيرهم من العرب
ردحذف